يحظى علم أصول الفقه أأو علم تشريع الأحكام بأهمية بالغة، فقد وُصف علم الأصول بانه علم يمتزج فيه العقل بالنقل، ويتزاوج فيه النظر مع الأثر، وهو خادم للاجتهاد، وعمدة لأصحاب التخريج.
أما وصفهم علم الأصول بانه "علم جدال" للمضاربة والمغالبة، فهذا التوصيف ليس حطا من شرف علم الأصول بقدر ما هو تاكيد لمكانته.
شرف علم الأصول
محاور المشاركة:
- أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع
- علم الأصول يحتاج فيه إلى الرواية والدراية
- علم الأصول علم جدال؟
1- أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع:
وُصف علم الأصول بانه علم يمتزج فيه العقل بالنقل، ويتزاوج فيه النظر مع الأثر، كما اكد على ذلك علماء الأصــــول بأبلغ عبارة، يقول الإمام المازري: "والأخذ من نصوص الوحي قرآنًا وسنة لا يتم إلا بتعاضد النقل والعقل. فالنص هــو الخزانة والعقل هو المفتاح الذي يفتح أبوابها، ويكشف ذخائرها ويبرز لبابها. فليس الفقه محصوراً في دائرة الروايـــــــة والنقل، ولا هو منفلت مع مجاري النزعات المختلفة لأهل العقل. ولكنه ثمرة تعـــاضد الأصلين. ولذلك نوه بقيمتـــه سيد المرسلين. لما قال "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
ويورد المازري قول الإِمام الغزالي "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمـــع، واصطحب فيه الرأي والشـــــرع". ويضيف إليه:" وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصــــــــرف بمحض العقــــــول، بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبـــــول. ولا هو مبني على محض التقلـــيد، الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد".
2- علم الأصول يحتاج فيه إلى الرواية والدراية:
ويعبر الإمام القرافي عن المكانة السامقة والفضل العظيم الذي يحظى به علم أصول الفقه- أأو علم تشريع الأحكــــــــام، ومزاوجته بين العقل والنقل بقلمه البليغ، حيث يقول عنه:" فهو جامع أشتات الفضـــــــــائل، والواسطة في تحصيل لباب الرسائل، ليس هو من العلوم التى هي رواية صرفة لا حَظَّ لشرف النفوس فيه، ولا من المعقول الصرف الذي لم يَحُضَّ الشرع على معانيه، بل جمع بين الشرفين، واستولى على الطرفين، يحتاج فيه إلى الرواية والدراية، ويجتمع فيه معـــاقد النظر، ومسالك العبر، من جهله من الفقهاء فتحصيله أجاج، ومن سُلِبَ ضوابطه عُدم عند دعاويه الحِجَاج".
وعلم أصول القه خادم للاجتهاد، وعمدة لأصحاب التخريج كما جاء في الــكاشف عن المحصــول في علم الأصـــــول ، يقول التاج السبكي مبرزا أهمية علم الأصول في عملية الاجتهاد: "وكل العلماء في حضيـــض عن الاجتهــــــاد إلا من نغلغل بأصل الفقه وكرع من مناهله الصافية بكل الموارد، وسبح في بحره ودرى من الإله وبات يعل به وطرفه ســاهد". ولا يلتفت إلى رأي بعض الذين جهلوا مكانة هذا العلم وهضموا حقه وحقروا شأنه،" وما علموا أنه لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعى لا بُدَّ له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببــــه، فإذا ألغينــا أصول الفقه ألغينا الأدلة، فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته، وقواعدهـــــــــا بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبئون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهديـــــــن، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدا قطعا".
3-علم الأصول علم جدال؟
أما وصفهم علم الأصول بانه "علم جدال" للمضاربة والمغالبة، فهذا التوصيف ليس حطا من شرف الأصول بقدر ما هو تاكيد لمكانته، لأن الجدال ليس بمذموم دائما وعلى كل حال، بل بحسب حال دون حال، ولذلك قال الإمام القرافـــــي ردا على هؤلاء: "وأما قولهم: إنه جدال، فليت شعرى كيف يليق بهم ذم الجدال والجدل، وهو شأن الله تعالى، وشأن خاصته، فقد أقام الله تعالى الحجج،وعامل عباده بالمناظرة،، وتجادل الأنبياء عليهم السلام.
وفي الصحيح: ((تحاجّ آدم وموسى - عليهما السلام - فقال موسى لآدمَ -صلواتُ الله عليهم أجمعين - أنتَ آدَمُ خلقك الله بيدهِ وأسجدَ لكَ الملائكة، وعاتبه على أكل الشجرة، فقال له آدم في آخر كلامه: أتلـــــــومني على أمر قد قُدّر علىَّ؟ قالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: فحجَّ آدم موسى)) أى ظهرت حجته عليه". وحاجت الأنبياء أممها وجادلتها.
والحاجة إلى أصول الفقه ماسة بالنسبة للفقه، والفقه به يتوصل إلى" تحصيل المصالح الدينية والدنيوية. أما الدينية فلأن سعادة الإنسان في الدين منحصرة في الحكمة العلمية والعملية، والحكمة العملية إنما تحصل بامتثال أوامر الله تعـــــــالى ومحافظة حدوده والانتهاء عن مناهيه، والعلم المتكفل ببيانها هو الفقه..."
واما كون الفقه محتاجا إليه في تحصيل المصالح الدنيوية، فراجع إلى ما يفضي إليه من"التخلق بالأخـــــــلاق المرضية والاجتناب عن الرذيلة وكيفية معاشرة أهل المنزل والمدينة"، باعتبار هذه التخلقات من جملة أوامر الله تعالــــى وحدوده ونواهيه، والإنسان مدني بطبعه، لا يتأتى له تحصيل مصـــــــالحه في معاشه بشكل مستقل، "فلا بد من المصـــــــــالحة والمخالطة لتتم المصالح بالتعاون. وهي تحتاج إلى حدود مشروعة وزواجر رادعــــــة، وقوانين مضبوطة كي لا يؤدي الأمر إلى الهرج والمرج وإلى أن من غلب سلب".
مواضيع ذات علاقة:
مسرد الموضوعات:
- - شرح التلقين، 1/9-10، نهاية الوصول في دراية الأصول، الصفي الهندي، 1/6.
- - نفائس الأصول في شرح المحصول، الإمام القرافي، 1/90. و تتجلى أهمية هذا الكتاب في ان الإمام القرافي قد جمع له في شرحه كما يقول:" نحو ثلاثين تصنيفا في أصول الفقه للمتقدمين والمتأخّريـــــــــــن من أهل السنة والمعتزلة، وأرباب المذاهب الأربعة منها ((البرهان)) و ((المُستصفي)) و ((الإحكام)) لسيف الديــــــن الآمدى، ....((شرح البرهان)) للأبيارى، و ((شرح البرهان)) للمَازِريِّ، و ((الإفادة)) للقاضي عبد الوهاب في مجلدين و ((الملخص)) له، و ((الفصول)) للباجى في مجلدين، و ((الإشارة)) له، و ((اللُّمع)) للشيخ أبي إسحق وشرحه له , و ((المعالم))، وشرحها للتِّلمسانى"، و ((المحصول)) لابن العربى" النفائس، 1/91-92.
- - الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي، 1/6. ويقول ابن اللحام مبينا شرف علم أصول الفقه وثمرته: "علم أصــول الفقه لما كان في علم الشريعة كواسطة النظام متوسطا بين رتبتي الفروع وعلم الكلام وهو علم عظيـــــــم شأنــه وقدره وعلا في العالم شرفه ومخبره. إذ ثمرته ما تضمنته الشريعة المطهرة من الأحكام وبه تحكم الأئمــــــــــــة الفضلاء مباحثهم غاية الإحكام".القواعد والفوائد الأصولية، ابن اللحام،ص15.
- - نفائس الأصول، 1/100.
- - فالجدال أصله اللَّىُّ والفَتْلُ، وجَدَلت الحبل إذا فتلته، ومنه سمى الصَّقر أجدل لانبرام جسمه وشدته، فمن لـــوى إلى الحق فهو محمود، ومن لوى إلى الباطل فهو مذموم، فالجدال كالسَّيف آلة عظيمة حسنة في نفسهـــــــا، وإنما يَعْرض لها الذم من جهة ما تعمل فيه، فمن قطع به الطريق، وأخاف به السبيل على المسلمين ذُمّ، فكمــــــا لا يذم السيف في نفسه لا يذم الجدال فينفسه، وإنما يُذَمُّ القصد الصارف له إلى الباطل، فما من شيء في العــــالم إلا هو كذلك، "النفائس، 1/103-102.
- - صحيح البخاري، كتاب القدر، باب تحاج موسى وآدم عند الله.
- - نهاية الوصول في دراية الأصول، 1/5.
- - نهاية الوصول في دراية الأصول، 1/5.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق