الثلاثاء، 5 مايو 2020

منهج أصوليي المالكية في تقسيم دلالات الألفاظ والاستدلال بها. الجزء الأول

       
دلالات الألفاظ









وضع الباقلاني معيارا لتقسيم الألفاظ وهو الاحتياج إلى البيان أو عدم الاحتياج إليه[1]؛ فالنص والفحوى والمفهوم تستغني عن البيان ولا تحتاج إلبه لكونها ظاهرة مستقلة بنفسها في إفادة المعنى. 
في باب وجه حاجة القول إلى بيان جعل الباقلاني الكلام على ثلاثة اضرب : ما يحتاج إلى البيان أصلا، و ما لا يحتاج إلى البيان من وجه, وما يحتاج إلى البيان في كشف المراد به من كل وجه
.الضرب الأول: وهو ما لا يحتاج باتفاق إلى بيان لكونه مظهرا بنفسه لمعناه وما وضع له لإفادته؛ وذلك كالنصوص وفحواها ومفهوماتها المستقلة بأنفسها.الضرب الثاني، ما لا يحتاج إلى البيان من وجه. وهو على ضربين:

المبحث الأول: تقسيم اللفظ باعتبار الحاجة إلى البيان أو عدم الحاجة إليه

وضع الباقلاني معيارا لتقسيم الألفاظ وهو الاحتياج إلى البيان أو عدم الاحتياج إليه[1]؛ فالنص والفحوى والمفهوم تستغني عن البيان ولا تحتاج إلبه لكونها ظاهرة مستقلة بنفسها في إفادة المعنى. 

في باب وجه حاجة القول إلى بيان جعل الباقلاني الكلام على ثلاثة اضرب : ما يحتاج إلى البيان أصلا، و ما لا يحتاج إلى البيان من وجه, وما يحتاج إلى البيان في كشف المراد به من كل وجه
.الضرب الأول: وهو ما لا يحتاج باتفاق إلى بيان لكونه مظهرا بنفسه لمعناه وما وضع له لإفادته؛ وذلك كالنصوص وفحواها ومفهوماتها المستقلة بأنفسها.الضرب الثاني، ما لا يحتاج إلى البيان من وجه. وهو على ضربين:

- ضرب يستقل من وجه ولا يستقل من وجه. وهذا الضرب يستغني عن البيان فيما هو مستقل في إفادته ومحتاج إلى بيان فيما لا يستقل بنفسه في إفادته. وذلك نحو قوله تعالى: ﱡﭐ وآتوا حقه يوم حصاده )وقوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)[2] وقوله تعالى:يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }؛ لأنه لا يحتاج إلى بيان في أن فيه حقا وأن الجزية ضريبة وأتاوة, وأن القرء زمن معتاد بالحيض والطهر، ويحتاج إلى بيان فيما هو الحق وقدر الجزية وجنسها. وأي الزمانين من الأقراء وقع به الاعتداد. وهذا بين[3].

- وضرب لا يستقل بنفسه من وجه ما, وهو المجاز المستعمل في غير ما وضع لإفادته،فإذا أريد به مالم يوضع له احتاج إلى دليل وبيان يكشف عن قصد المتكلم به،اللهم إلا أن يكون مجازا قد غلب وظهر استعماله في الشيء الذي تجوز به فيه، وصار عرفا معهودا. وذلك نحو قوله:" يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ۚ[4]  وأمثاله مما غلب مجازه على حقيقته[5].


ويحضر اعتبار الاستقلال بالبيان، أو الافتقار إليه في كثير من تقاسيم المالكية للألفاظ، فقد مر عند الحديث عن الاستدلال بالسنة، أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أحوج إلى البيان من القول الذي لا يستقل بنفسه في بيان ما أريد به، استنادا إلى "أن القول الذي لا يستقل بنفسه في بيان ما قصد به محتاج إلى بيان"،هكذا يرى الباقلاني أن فعل الرسول الذي به تبين الأحكام يحتاج إلى بيان وجوبا، ويشمل هذا البيان اقتران فعله صلى الله عليه وسلم بقول يتقدمه أو يتعقبه, وما يقوم مقام القول من الأحوال التي يعلم بها أنه قاصد بالفعل إلى بيان.


ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني مناسككم"، " وصلوا كما رأيتموني أصلي" ونحوه, لأنه قد يفعل القرب الشرعية لا على وجه البيان لأمته، لكونهم مشاركين له فيه, بل لكونه مخصوصا بالتعبد به. وكذلك فقد يقع الفعل على وجه القربة وغير القربة لا لبيان مجمل تقدم, بل لتعبده بذلك واختصاصه به[6].

كذلك قسم ابن العربي ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم الواردة على أسبابها إلى ضربين، باعتبار استقلال اللفظ بإفادة المعنى، أو بتوقفه على سببه ليعلم المراد منه.

 فأما الضرب الأول وهو اللَّفْظ المُسْتقِلّ بِنَفسِهِ الذي لا يفتقر إِلَى معرفَة المُرَاد مِنْهُ إِلَى سَببه، فَيحمل على عُمُومه.

وأما الضرب الثَّانِي، وهو ما لَا يعرف المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بعد معرفَة سَببه، فيقصر على سَببه وَلَا يعم بِدَلِيل.

قال ابن العربي بعد أن ذكر حديث بِئْر بضَاعَة وسؤال السائل للرسول الكريم وجوابه على سؤاله:"فَهَذَا لفظ مُسْتَقل بِنَفسِهِ مَفْهُوم من ذَاته نَشأ بِسَبَب لَا يفْتَقر فِي بَيَانه إِلَيْهِ فَهَذَا مَحْمُول على عُمُومه"[7].


يعتبر القاضي الباقلاني اول من حد الدليل بأنه البيان، لذلك فهو يقسم اللفظ باعتبار حاجته إلى البيان، أو استغنائه عن البيان إلى:

ما يستقل بالبيان وإفادة المعنى، ويشمل القسم الأول النص والفحوى والمفهوم

ما لا يستقل بالبيان وإفادة المعنى، وهذا ينقسم إلى:

مستقل بالبيان والإفادة من وجه، غير مستقل من وجه، كالألفاظ المشتركة مثل القرء.

وغير مستقل بنفسه من وجه: كالمجاز ، إلا أن يكون من المجاز العرفي الذي صار معهودا بعرف الاستعمال. 
  


المبحث الثاني


تقسيم اللفظ من جهتي المنظوم والمفهوم



نذكر بما سبقت الإشارة إليه من أن ابن رشد يرى أن النظر في هذا الجزء الخاص بالدلالات أخص بصناعة أصول الفقه, وقسمه بحسب الأشياء التي يقع بها الفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى: لفظ و قرينة.

 وقسم اللفظ إلى ما يدل على الحكم بصيغته , وإلى ما يدل بمفهومه ومعقوله.


 وقسم  القرينة إلى قسمين: أحدهما فعله صلى الله عليه وسلم، والآخر إقراره على الحكم[8]


وقد اقترح ابن رشد تقسيما للألفاظ إلى أصناف يرى أنها هي القسمة النافعة في صناعة أصول الفقه[9]. فهو يقسم الألفاظ من حيث دلالتها إلى قسمين: دلالات الألفاظ من جهة الصيغ والعبارات، ودلالات الألفاظ من جهة القرائن والمفهومات.

1-الدال بالصيغة والمنظوم:


يقول ابن رشد:"والألفاظ، سواء كانت أسماء أو حروفا أو أفعالا أو مفردة أو مركبة, منها:

-ما يفهم عنها بصيغها في كل موضع معنى واحدا أبدا, وهذه بعض ما يعنون بالنص في هذه الصناعة, ولنسمه نحن النص من جهة الصيغ.

-ومنها ألفاظ يمكن أن يفهم عنها أكثر من معنى واحد، وهذه إذا كانت دلالتها على جميع المعاني بالسواء, حتى لا يفهم أحدها[10].

2-الدال بالمفهوم لا بالمنظوم: وهو على أربعة أضرب: نص من جهة المفهوم، ومجمل من جهة المفهوم، وظاهر من جهة المفهوم، ومؤول من جهة المفهوم.


يقول ابن رشد:"ومن هذه الألفاظ والأقاويل ما تدل بمفهوماتها لا بصيغها وذلك لتغييرها بالنقص والحذف أو الزيادة, وكذلك أيضا بالتبديل والاستعارة. وهذا الصنف من الألفاظ يسمى مجازا. وهذه يوجد فيها أيضا ما يشبه النص والمجمل والظاهر والمؤول, وإنما يوجد ذلك فيها من جهة القرائن لا من صيغها. فيكون إذا النص المستعمل في هذه الصناعة يعنى به صنفان: أحدهما ما كان نصا من جهة الصيغ, والثاني ما كان نصا من جهة المفهوم. وبمثل هذه القسمة ينقسم الظاهر والمجمل والمؤول"[11].

وهكذا تؤول قسمة الألفاظ عند ابن رشد بلحاظين هما: لحاظ الصيغ والألفاظ، ولحاظ القرائن والمفهومات إلى:

-         النص من جهة الصيغة والمنظوم، والنص من جهة القرائن والمفهوم

-         المجمل من جهة الصيغة والمنظوم، والمجمل من جهة القرائن والمفهوم

-         الظاهر من جهة الصيغة والمنظوم، والظاهر من جهة القرائن والمفهوم

-         المؤول من جهة الصيغة والمنظوم ، والمؤول من جهة القرائن والمفهوم.

والظاهر من جهة الصيغة حكمه عند ابن رشد حكم الاسم المشترك.... ويشبه أن يكون كذلك الظاهر من جهة المفهوم[12].



المطلب الأول: الدال بالصيغة والمنظوم وأقسامه 


أقسام الظاهر من جهة الصيغة والمنظوم.


يقسم ابن رشد الظاهر من جهة الصيغة إلى قسمين:

أحدهما: الألفاظ المقولة من أول الأمر على شيء ثم استعيرت لغيره لتشابه بينهما كتسميتهم الفراش عشا أو تعلق بوجه من أوجه التعلق، كتسميتهم النبت ندى، لأنه عن الندى يكون. ومن هذا الصنف الكناية، كتعبيرهم عن الرجيع بالغائط وعن النكاح بالمسيس.

القسم الثاني: الألفاظ المبدلة، ونعني هنا بالمبدلة إبدال الكلي مكان الجزئي، والجزئي مكان الكلي. وعلى التحقيق فالتبديل يلحق جميع الألفاظ المستعارة، ثم تنقسم هذه الأقسام التي أحصيناها، لكن رأينا أن نخص هذا الصنف باسم التبديل، أعني الكلي والجزئي، وإن كان في الحقيقة كل مبدل مستعار وكل مستعار مبدل.

ثم بين حكم هذين القسمين وطرق معرفة المراد منهما والحجة على كونها دليلا شرعيا، بقوله:
"إذا وردا بإطلاق في الشرع حملا على ظاهرهما حتى يدل الدليل على غير ذلك , وهو حملهما على المعنى المستعار, وهو المسمى تأويلا.[13] وكون هذه الألفاظ ظاهرة في هذه الدلالات يعرف ذلك ضرورة من استقراء اللغة. وكونها دليلا شرعيا يعرف بإجماع الصحابة على الأخذ بالظواهر, وأن الشرع لم يتصرف في ذلك بوضع عرفي. وأيضا فلو لم نصر إلى الأخذ بالظواهر لكان سيبطل كثير من العبادات لأن النصوص معوزة جدا. وبالجملة الضرورة الداعية إلى العمل بأخبار الآحاد هي ههنا الضرورة الداعية إلى العمل بظواهر الألفاظ".[14]




أقسام اللفظ "المبدل": العام وهو اللفظ الكلي والخاص وهو اللفظ الجزئي.


وقسم ابن رشد الصنف الثاني من اللفظ الظاهر وهو "المبدل" إلى صنفين أيضا هما: اللفظ الكلي(العام), واللفظ الجزئي(الخاص). وبدأ بالحديث عن العام مبينا ضرورة التسليم بوجوده وعدم المنازعة في شيء تشترك فيه جميع الألسن واللغات، "والشرع لم يتصرف في تغييره بوضع عرفي. والحجة على كونه دليلا شرعيا هي الحجة على كون الظاهر بما هو ظاهر دليلا شرعيا"[15].

        

المطلب الثاني: الدال بالقرينة والمفهوم وأقسامه




يبين ابن رشد متى يعتبر اللفظ دالا من جهة المفهوم بقوله: "واللفظ كما تقدم من قولنا إنما يصير دالا بمفهومه عندما تحذف بعض أجزائه، أو يزاد فيه أو يستعار ويبدل، ولذلك لا تكون دلالته عند ذلك إلا من جهة القرائن، فإن كانت القرينة غير متبدلة وقاطعة على مفهومه سمي أيضا ههنا نصا، وإن كانت ظنية أكثرية سمي أيضا ظاهرا، وإن كانت ظنية غير مترجحة سمي مجملا، وطلب دليله من موضع آخر"[16].

يسمي  ابن رشد الدلالة الاقترانية: "الدال بمفهومه من أجل الحذف"، ويقسمه إلى أقسام، نذكرها مع  التمثيل لكل قسم:

يتبع






[1] - من بين الأصوليين الذين ساروا على هذا التقسيم المالكي صاحب كتاب "نهاية الوصول في دراية الأصول"، حيث جعل النص والظاهر ومفهوم الموافقة والمخالفة ضمن "المبين" وأطلق المبين" على معنيين:
أحدهما: الخطاب الذي يحتاج إلى البيان وقد ورد عليه بيانه.
وثانيهما: الخطاب المبتدأ المستغنى عن البيان، وهو نوعان:
أحدهما: ما دل عليه الخطاب بحسب الوضع وهو النص والظاهر.
وثانيهما: ما دل عليه بحسب المعنى كمفهوم الموافقة والمخالفة، وسائر ما دل عليه النص بطريقة التعليل كقوله عليه السلام: "إنها من الطوافين والطوافات"، وكقوله: "أينقص الرطب إذا جف؟ " فقالوا: (نعم) فقال: "فلا إذا"، وكما دل عليه النص بواسطة الفعل نحو الأمر بالشيء أمر بما لا يتم إلا به.
وكقوله [تعالى]: {واسأل القرية} فإنه لما تعذر إجراء الخطاب على ظاهره، وجب إضمار "الأهل" وما جرى مجراه، وهكذا كل خطاب دل الفعل على تعين مجازه في بادئ النظر، والأول يشبه أن يكون هو الحقيقة، أما لغة فلأنه هو الذي ورد عليه البيان وبين دون الثاني. نهاية الوصول في دراية الأصول، 5/1795-1796

[2] - سورة التوبة، الآية 29.

[3] - التقريب والإرشاد،  ويدرج داخل هذا الضرب"جميع الألفاظ والأسماء المشتركة بين أشياء مختلفة يجري على سائرها حقيقة في أنها غير محتاجة إلى بيان في كونها متناولة لجملة ما يقع عليه ومحتاجة إلى بيان في تفصيل ما أريد بها منه معينا وذلك نحو القول بيضة ولون وجارية وعين, وأمثال ذلك مما قدمنا ذكره". نفس المصدر..

[4] - سورة المائدة، الآية 6.

[7] - المحصول لابن العربي،


[8]- الضروري في أصول الفقه، أو مختصر المستصفى
جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة مقاصد
تصميم : معاد برادة