الأربعاء، 27 مايو 2020

مفهوم أصول الفقه عند أصوليي المالكية


mdemnati-blogspot-Fundamentals of jurisprudence-Maliki school
أصول الفقه مركب من كلمتين، وتفسير الجزء مقدم على تفسير المركب، فنفسر كل واحدة على انفراد، ثم نفســــر المركب منهما. "والعلم بالمركبــــــات يتوقف على العلم بالمفردات".
فما هو تعريف أصول الفقه عند أصوليي المـــــــــالكية؟


مفهوم أصول الفقه عند أصوليي المالكية


أصول الفقه مركب من كلمتين، وتفسير الجزء مقدم على تفسير المركب، فنفسر كل واحدة على انفراد، ثم نفسر المركب منهما. "والعلم بالمركبات يتوقف على العلم بالمفردات".
والأصول جمع أصل، وللأصل في اللغة معنيان: أحدهما: ما منه الشيء والآخر ما يبنى عليه الشيء حسيًّا أو معنى، أو مَا اسْتندَ الشىء فى وجوده اليه أَو مَا ينبنى عَلَيْهِ غَيره  أَو مَا احْتِيجَ اليه، وله في الاصطلاح معنيان: أحدهما: الراجح ، والآخر: الدليل، وله معان اخر مثل: المستصحب، والقاعدة، "فلفظ الأصل مشترك اصطلاحي في الأربعة: الراجح والمستصحب والقاعدة والدليل".

تعريفات الأصل:   

وقد ذكر التاج السبكي تعريفات عديدة للأصل منها: ما يبنى عليه غيره، ومنها: ما منه الشيء، ومنها: المحتاج إليه، ونقضها واحدا واحدا واختار: "الأصل ما يتفرع عنه غيره"، قال:" وهذه العبارة أحسن من القول: ما يبنى عليه غيره؛ لأنه لا يقال إن الولد يبنى على الوالد ويقال إنه فرعه وأحسن من القول: ما منه الشيء لاشتراك من بين الابتداء والتبعيض وأحسن من القول: "المحتاج إليه" لأنه إن أريد بالاحتياج ما يعرف في علم الكلام من احتياج الأثر إلى المؤثر والموجود إلى الموجد لزم إطلاق الأصل على الله تعالى ، وإن أريد ما يتوقف عليه الشيء لزم إطلاقه على الجزء والشرط وانتفاء المانع، وإن أريد ما يفهمه أهل العرف من الاحتياج لزم إطلاقه على الأكل واللبس ونحوهما. وكل هذه اللوازم مستنكرة وكل هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة. 

حقيقة الأصل عند الإمام القرافي

وللإمام القرافي كلام نفيس في نفائسه يبين فيه حقيقة الأصل، حيث ينتقد تعريف الأصل بأنه: هو المحتاج إليه، مفرقا بين ما يعتبر أصلا وما يعتبر محتاجا إليه، يقول:"تقريره: أن الأصل والفقه لما احتاج إلى تعريفهما، وهما لكل واحد منهما معنى في اللغة، ومعنى في اصطلاح العلماء، احتاج إلى تعريف هذه المعانى الأربعة، فهذا الذي ذكره هو معنى الأصل في اللغة عنده؛ لأن أصل السُّنبلة بُرّة، وهي تحتاج إليها، وأصل النخلة نواة وهي يحتاج إليها، وأصل الإنسان نطفة، وهو محتاج في تخليقه إليها، ولا شك أن كل أصل يُحتاج إليه، غير أن كل حقيقة كما يحتاج لأصلها يحتاج لشرطها، وانتفاء مانعها والشروط وعدم الموانع ليست أصولا لتلك الحقائق.
فكما تحتاج السنبلة للبرة تحتاج للهواء اللَّين والندى المتواصل، وعدم دابة تقلعها من أصلها، وعدم عَفَن يحصل لها من منبتها، ولا يقال: أصلها الهواء، ولا عدم الحيوان المهلك، وكذلك الإنسان يحتاج لهواء يتنفس فيه، وقوت يغذيه، وبيت يؤويه، وثوب يحميه، ولا يقال: أصله الهواء ولا الثوب، فالحاصل أن كل أصل مُحتاج إليه، ليس كل محتاج إليه أصلا".

تعريف الفقه

لغة:

والفقه في حقيقة اللغة هو العلم, ولا تفصل العرب في كلامها بين قول القائل: فقهت الشيء وبين قوله علمته، بيد أن أرباب الشرائع خصصوه بضروب من العلوم تواضعا واصطلاحا. وهو في أصلِ اللغة عبارة: عن فهم غرض المتكلم من كلامه.

اصطلاحا:

وفي مواضعة الفقهاء والمتكلمين هو" العلم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية التي يتوصل إليها بالنظر دون العقلية" نحو التحريم والتحليل والإيجاب والإباحة والندب, وإجزاء الفرض, أو لزم قضائه, وصحة العقد وفساده ووجوب غرم, وضمان قيمة متلف وجناية، إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية".
وفي اصطلاح العلماء عرفه ابن الحاجب بقوله:" العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال".
وعرف بأنه عبارة: عن العلم بالأحكام الشرعية العملية، المستدل على أعيانها، بحيث لا يُعلم كونها من الدين ضرورة. وزاد الصفي الهندي:" العلم أو الظن بجملة من الأحكام الشرعية العملية، إذا حصل عن استدلال على أعيانها".
وعلى عادة الأصوليين في حدودهم وتعريفاتهم يذكر ابن جزي  محترزات التعريف، فيقول: "وقولنا: بأدلتها، تحزّزًا من التقليد، وهو: (الاعتقاد بغير دليل)، فإنه لا يسمى في الاصطلاح فقهًا.

أصول المذهب المالكي











وقولنا: على التفصيل في الأحكام وفي أدلتها: تحرزًا من أصول الفقه، فإنَّ الفقيه يعرف آحاد مسائل الأحكام، ويستدل بآحاد أدلة، والأصولي إنما يعرف أنواع الأحكام ويستدل عليها بآحاد الأدلة من تعيين آحادها، وتحرزًا أيضًا بقولنا: على التفصيل في الأدلة من استدلال المقلد على الجملة، فإنه يستدل بأصل إمامه على صحة قوله.
فالفقه إذا عند أهل الاصطلاح الشرعي مختص بالعلم بالأحكام الشرعية دون غيرها من العلوم العقلية، والفقيه إنما هو المختص بالعلم بالأحكام الشرعية كما بين ذلك الباقلاني بقوله:"ولا خلاف في أن إطلاق اسم الفقه لا يجري على العلم بالنحو والطب والفلسفة, وأن إطلاق اسم الفقيه لا يجري على أحد من العلماء بهذه العلوم في عرف الاستعمال. وإنما يجري على العالم بأحكام أفعال المكلفين الشرعية".

تعريف أصوليي المالكية لأصول الفقه

أما تعريف أصوليي المالكية لأصول الفقه، فننتقي التعريفات التالية:

أصول الفقه عند الباقلاني هي:

" العلوم التي هي أصول العلم بأحكام أفعال المكلفين". وقد علم أن العلم بهذه الأحكام لا يحصل إلا عن نظر في أدلة قاطعة وأمارات، يؤدي النظر فيها إلى حصول العلم بأحكام فعل المكلف، إما عن الدليل القاطع بغير توسط غلبة ظن ذلك، أو بتوسط غلبة الظن بحصول الحكم، فيجب أن تكون العلوم التي تبنى عليها العلوم بالفقه هي أصول الفقه، وأن تكون الأدلة التي يتوصل بالنظر فيها إلى العلم بأحكام أفعال المكلفين أصول العلم بها، من حيث لم يمكن العلم بها دون حصولها، وحصول العلوم التي بحصولها يمكن النظر في تلك الأدلة على مراتبها، وليس يمكن النظر في أدلة الفقه مع عدم تلك العلوم، ولا يمكن التوصل بكمال العقل والعلم بالتوحيد والنبوة وما يتصل بذلك إلى العلم بأحكام المكلفين، لو لم ينصب الأدلة عليها من الخطاب في الكتاب والسنة والإجماع والمودع في ذلك من معاينة المعلق بها الأحكام, فيجب لذلك أن يكون ما ذكرناه هو أصول الفقه".

أصول الفقه عند الإمام الباجي:

وعرف الباجي أصول الفقه في حدوده بأنه :"ما انبنت عليه معرفة الأحكام الشرعية". وبيان هذا أن أصول الفقه غير الفقه، لأن الأصل ينبني على سواه مما يكون أصلًا له ومستنبطا منه ومأخوذًا منه، ومتوصلًا إليه بذلك الأصل. فمن ثم لا يقتصر هذا البناء على الأصول المعهودة في الأصول كالمباحث المرتبطة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، بل يضاف إليها كل ما يعترض به على كل شيء من تلك المسائل وما يجاوب به عن كل نوع من الاعتراضات فيه، وتمييز صحيح ذلك من سقيمه مما يتوصل به إلى استنباط الأحكام من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإلحاق المسكوت عنه بالمنطوق بحكمه.
فكل المعاني والعلوم كالجدل والحجاج وغيرها مما يتعين طريقا إلى استنباط الأحكام الشرعية، تعتبر أصولًا للأحكام الشرعية، ويجب العلم بها ومعرفتها .

أصول الفقه عند الإمام أبي بكر بن العربي:

وعرفه ابن العربي بقوله "أما أُصُوله فَهِيَ أدلته، وَقد قيل معرفَة أَحْكَام أَفعَال الْمُكَلّفين الشَّرْعِيَّة دون الْعَقْلِيَّة وَهِي تَكْمِلَة للْأولِ وَقَرِيب مِنْهُ"
وقال الأبيارىُّ متحدثا عن أصول الفقه بمفهوميها اللقبي والإضافي:" أصول الفقه له معنيان: يطلق لقبا، ويطلق مضافا على حد الإضافة. فإنْ أطلق لقبا كان عبارة عن فن من الفنون مشتمل على جملة معلومات، وهي الأحكام الشرعية، وحقائقها، وأقسامها، والمثمر لها، وهي أدلتها، وبيان أقسامها، وشرائط دلالتها، وهي كيفية الاستثمار من الأدلة، من جهة المنظوم والمفهوم، والمعنى المعقول، وعلى من له استنباط الأحكام من الأدلة، فهذا هو العلم المعبر عنه بأصول الفقه."وإذا أطلق مضافا كان عبارة عن الأدلة خاصة.
وفي موضع آخر يعود إلى تقرير هذا المعنى وتاكيده بقوله:" أصول الفقه تطلق لقبا على فن مجموع، وتطلق على الأدلة، ونحن ههنا نتكلم عليها باعتبار كونها أدلة الأحكام، وإذا كان كذلك، فالحاصل معنا ههنا أربعة أمور: دليل، ومدلول عليه، وجهة منها يدل الدليل، ومستدل، فاشتمل هذا العلم الذي هو أصول الفقه لقبا على أربعة اجزاء: دليل، ومدلول، ومستدل، وطريق يعرف كيفية الاستدلال".   
وعرف الإمام القرافي أصول الفقه بقوله: "أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها".

أصول الفقه عند ابن جزي:

أما ابن جزي فعرف أصول الفقه بأنه:" العلم بالأحكام الشرعية الفرعية على الجملة وبأدواتها والاجتهاد فيها وما يتعلق به.
أصول الفقه عند المالكية: العلم بالعلوم التي تبنى عليها العلوم بالفقه، وكل ما ينبني عليه معرفة الأحكام الشرعية، ويشمل هذا:
- العلم ب"العلوم التي تبنى عليها العلوم بالفقه"، والعلم ب"أصول العلم بأحكام أفعال المكلفين" وهي أدلة الفقه الإجمالية لا التفصيلية. 
- العلم بأدوات العلم بهذه الأحكام ومتعلقاتها: وتتعلق بآليات الاستنباط وأدوات الاستدلال وكيفية الاستدلال بها.
- العلم بالاجتهاد ومتعلقاته: ويرتبط بحال المستدل ، وهو المجتهد.
- العلم بالاعتراضات والأجوبة عنها وهو : علم الجدل والمناظرة، وهما علمان تربطهما ببعضهما علاقة حميمة؛ كما يبين القول التالي: "الجدل هو معرفة آداب المناظرة، ...فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعا ومن الاستدلال ما يكون صوابا وما يكون خطأ فاحتاج إلى وضع آداب وقواعد يعرف منها حال المستدل والمجيب، ولذلك قيل فيه: إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه كان ذلك من االفقه وغيره...".
ولا يخفى ما لهذا العلم من قيمة علمية تتمثل في غربلة الأفكار والآراء المختلفة ونخل صحيحها من سقيمها، وتمييز مقبولها من مردودها؛ "ذلك أن هذا الفن يحرص على أن يمد المجتهد بأحسن المناهج وأدقها وأحكمها وأصوبها حتى يستفيد عن خبرة وبصيرة وهدى من هذه المسائل الخلافية المستنبطة عبر العصور المختلفة المتعاقبة".

المصادر والمراجع:
  • الحدود في الأصول

  • المحصول لابن العربي

  •  المختصر في أصول الفقه، ابن اللحام

  • تقريب الوصول

  • فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت،

  •  شرح الكوكب المنير

  • الإبهاج شرح المنهاج

  • نفائس الأصول،

  • التقريب والإرشاد للباقلاني،

  • التقريب والإرشاد، 1/171.-172.

  • مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ابن الحاجب

  • الفائق في أصول الفقه، 1/34.


ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة مقاصد
تصميم : معاد برادة