الجمعة، 15 مايو 2020

مفهوم الاستحسان

الاستحسانالاستحسان"هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامـــل شمول الألفاظ لوجه أقوى منه وهو في حكم الطارئ علـى الأوّل، فبالأول خرج العموم، وبالثاني ترك القيـــــــــــاس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه".أو هو:" ترك مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل على طَرِيق الِاسْتِثْنَـــــــاء والترخــــص بمعارضتــــــــــــه مَا يُعَارضهُ فِي بعض مقتضيـــــــــاته"[


مفهوم الاستحسان:

ذكر القرافي عدة تعريفات للاستحسان[1] منها:

-      تعريف الباجي: قال:" الاستحسان هو القول بأقوى الدليلين".

وقد رد القرافي هذا التعريف بانه لو كان معنى الاستحسان كما ذكر الباجي لكان حجة إجماعًا، لعدم اختلاف العلماء في القول بأقوى الدليلين، والاستحسان ليس كذلك، لذلك وقع الاختلاف فيه.

وقد أجيب عن هذا الاعتراض "بأن المراد بهذا الدليل الذي هو أقوى الدليلين: هو الدليل الذي يخالف القياس بدليل أقوى من القياس". مثال ذلك: تخصيص العرايا من بيع الرطب بالتمر؛ فيه من الرفق والمعروف، وكذلك تضمين الصناع المؤثرين بصنعتهم في الأعيان من سائر الأجراء لمصلحة العامة. وكذلك تضمين الحمالين للطعام والإدام دون سائر الأجراء؛ لأن الطعام تسرع إليه الأيدي كثيرًا، دون غيرهم ممن يحمل غير الطعام. وغير ذلك مما خولف فيه القياس بوجه أقوى منه. فإن هذه الأشياء المذكورة لم تحمل على نظائرها؛ لأجل ما يعارض قياسها على نظائرها"[2].


-      تعريف ثان: الحكم بغير دليل وهذا اتباع للهوى.

وعلق القرافي بأن الاستحسان لوكان كذلك لكان حراماً إجماعاً. والاستحسان بهذا المعنى هو الذي عناه من أنكروا حجيته، وفي مقدمتهم الشافعي، فقد ذكر  في "الأم" العديد من المسائل الاجتهادية، وبين ان الاجتهاد فيها يكون بالقياس لا بالاستحسان، يقول:" وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ- وَأَشْبَهُ لِهَذَا تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْقِيَاسِ وَحَظْرِ أَنْ يُعْمَلَ بِخِلَافِهِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ أَمْرَ اللَّهِ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا طَلَبَهُ بِالسَّبِيلِ الَّتِي فُرِضَتْ عَلَيْه، ومن قال أَستحسن لَا عن أمرِ الله ولا عن أَمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يقبل عن اللَّه وَلا عن رسولِه ما قالَ وَلم يطلب ما قال بحكم الله ولا بحكم رَسُولِهِ، وكان الخطأ في قول من قال هذَا، بَيَّنَّا بأَنه قد قال: أَقول وأَعمل بما لم أُومَر به ولم أُنه عنه وبلَا مثال على ما أُمِرت به وَنُهيت عَنه وقد قضَى اللَّه بخلَاف ما قال فلم يترك أَحدا إلَّا متعبِّدا"[3]. وليس من أحد من علماء الأمة الأثبات الثقات، المشهود لهم بالعلم والفضل من يرى ان الاستحسان قول بمحض الرأي والتشهي والهوى.


-      تعريف الكرخي: "هو العدول عما حكم به في نظائر مسألة إلى خلافه لوجه أقوى منه، وهذا يقتضي أن يكون العدول من العموم إلى الخصوص استحساناً ومن الناسخ إلى المنسوخ".

ورده القرافي هذا التعريف أيضا" بأنه يلزم منه أن يكون العدول إلى الخصوص وإلى الناسخ وعن الإطلاق إلى التقييد استحسانًا، مع أنه لا يسمى ذلك العدول استحسانًا إجماعًا".


وأجيب عن هذا: بأن هذا القول هو القول الأول في المعنى، ولا فرق بينهما إلا في العبارة، وأما المعنى فهو واحد، والمراد بها: هو العدول إلى مخالفة القياس لوجه أقوى من القياس، كما تقدم تمثيله بالعرايا، وتضمين الصناع المؤثرين، والحمالين للطعام.


ومعنى قوله: العدول عما حكم به في نظائر مسألة إلى خلافه لوجه قوى منه: أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في مسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى منه، كحكم مالك رضي الله عنه بالضمان في حق الصناع المؤثرين، والحمالين للطعام، وكحكمه بالجواز في العرايا، وكحكمه بالبناء في الرعاف في الصلاة، بخلاف نظائره، كالقيء والحدث[4].


-      تعريف أبي الحسين: "هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه أقوى منه وهو في حكم الطارئ على الأوّل، فبالأول خرج العموم، وبالثاني ترك القياس المرجوح للقياس الراجح لعدم طريانه عليه".

وهذا القول راجع ايضًا إلى القول الأول الذي هو القول بأقوى الدليلين.


قالوا: عبارة أبي الحسين هي التي تنطبق على ما قاله مالك في تضمين الصناع المؤثرين بصنعتهم، والحمالين للطعام، وشبه ذلك. فإنه ترك وجهًا من وجوه الاجتهاد، وهو عدم التضمين الذي هو شأن الإجارات"[5].


قوله: (غير شامل شمول الألفاظ)؛ لأن عدم التضمين قاعدة لا لفظ .


قوله: (لوجه أقوى منه): إشارة إلى الفرق الذي لاحظ في صورة الضمان؛ لأن اعتباره راجح على عدم اعتباره، وإضافة الحكم إلى المشترك[6].


أما ابن العربي، فعدد أقساما للاستحسان عند المالكية مدعمة بأمثلتها، استخلص منها تعريفه للاستحسان، وهو:" ترك مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل على طَرِيق الِاسْتِثْنَاء والترخص بمعارضته مَا يُعَارضهُ فِي بعض مقتضياته"[7].


وقد ذكر العلماء تعاريف عديدة للاستحسان، وعند التامل فيها وتحقيقها يتبين انه" لا يتحقق استحسان مختلف فيه؛ لأنهم ذكروا في تفسيره أمورا لا تصلح محلا للخلاف؛ لأن بعضها مقبول اتفاقا، وبعضها متردد بين ما هو مقبول اتفاقا وبين ما هو مردود اتفاقا"[8].


المصادر والمراجع المعتمدة:

[1] - تحدث الحنفية عن الاستحسان ضمنن مصنفاتهم الفقهية، كما فعل السرخسي الذي جعل كتاب الاستحسان بين كتابي: السير والتحري. المبسوط . وأطلق عليه صاحب التحفة:"  كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة" وقال عن هذا الكتاب: " سمى مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله ومشايخنا هَذَا الْكتاب: كتاب الِاسْتِحْسَان، لما فِيهِ من الْمسَائِل الَّتِي استحسنها الْعقل وَالشَّرْع. وَالشَّيْخ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي سَمَّاهُ كتاب الْحَظْر وَالْإِبَاحَة لما فِيهِ من بَيَان أَحْكَام الْحَظْر وَالْإِبَاحَة وَالْكَرَاهَة وَالنَّدْب على الْخُصُوص . وَبَدَأَ الْكتاب بِإِبَاحَة الْمس وَالنَّظَر إِلَى الرِّجَال وَالنِّسَاء " وأخذ يفصل في ما يستحسن من ذلك وما لا يستحسن.  ينظر: تحفة الفقهاء،  وعنون صاحب المحيط البرهاني أحد كتب مصنفه: "كتاب الاستحسان والكراهية"، وذكر بأن هذا الكتاب يشتمل على اثنين وثلاثين فصلاً.


[2] - شرح تنقيح الفصول،. رفع النقاب، 


[3] - كتاب الأم للشافعي، كتاب إبطال الاستحسان، 


[4] - رفع النقاب،


[5] - رفع النقاب، 


[6] - شرح التنقيح، 


[7] - المحصول لابن العربي، 


[8] - تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة مقاصد
تصميم : معاد برادة