تعد المقاصد معيارا لضبط المصالح وتقنينها حتى لاتبقــــى المصالح مرسلة بلا ضابط ولا رابط. واستجلاب المصـالح الشرعية المنضبط بمقــــاصد الشرع مؤشـــر على حــفظ المقاصد. يقول الدكتور يوسف أحمد البدوي:"ثم إن مقاصـد الشريعة والمصالح والمفاسد صنــــــوان وتوامـــــــــان لا ينفصمان، إذ جلب المصــــالح حفظ للمقــــــاصد من جانب الوجـــــــود، ودرء المفاسد حفظ للمقاصد من جانب العدم"
تعد المقاصد معيارا لضبط المصالح وتقنينها حتى لاتبقى المصالح مرسلة بلا ضابط ولا رابط. واستجلاب المصالح الشرعية المنضبط بمقاصد الشرع مؤشر على حفظ المقاصد. يقول الدكتور يوسف أحمد البدوي:"ثم إن مقاصد الشريعة والمصالح والمفاسد صنوان وتوامان لا ينفصمان، إذ جلب المصالح حفظ للمقاصد من جانب الوجود، ودرء المفاسد حفظ للمقاصد من جانب العدم"[1]
تعريف المصلحة:
يعرف الإمام الشاطبي المصلحة بقوله:"وأعني بالمصالح ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان وتمام عيشه، ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق، حتى يكون منعما على الإطلاق، وهذا في مجرد الاعتياد لايكون، لأن تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق قلت أو كثرت، تقترن بها أو تسبقها أو تلحقها"[2].
ويقول العز بن عبد السلام في تعريف المصلحة والمفسدة:" والمصلحة لذة أو سببها أو فرحة أو سببها، والمفسدة ألم أو سببه أو غم أو سببه، ولم يفرق الشرع بين دقها وجلها وقليلهما وكثيرهما كحبة خردل وشق تمرة وزنة برة ومثقال ذرة،"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"[3]،[4].
ويعبر عن المصلحة بتعابير متعددة منها ما ذكره العز بن عبد السلام في قوله:"ويعبر عن المصالح والمفاسد بالمحبوب والمكروه والحسنات والسيئات والعرف والنكر والخير والشر والنفع والضر والحسن والقبح"[5].
وقد تطلق المصلحة أيضا على الطيبات، كما تطلق المفسدة على الخبائث، ولعل هذا ما يفهم من كلام الإمام الشاطبي الذي قرن بين المصالح والطيبات:" ألا ترى أن الله تعالى خاطب الناس في ابتداء التكليف خطاب التعريف بما أنعم عليهم من الطيبات والمصالح، التي بثها في هذا الوحود لأجلهم ولحصول منافعهم ومرافقهم التي يقوم بها عيشهم، وتكمل بها تصرفاتهم"[6].
وقد بين القرآن الكريم أن المقصود الشرعي من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو تحليل الطيبات والمصالح، وتحريم الخبائث والمفاسد. قال جل في علاه في بيان صفات المؤهلين من عباده لتشملهم رحمته الواسعة بأنهم:"الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث"[7].
والذي يظهر لي أن اللفظ القرآني الموازي للفظ المصلحة هو لفظ الرحمة. فالرحمة من أبرز صفات الكتاب المنزل والنبي المرسل، فلا يكاد يذكر وصف من أوصاف القرآن إلا ويذكر وصف الرحمة.
فالقرآن كما يصفه ربنا عز وجل"شفاء ورحمة للمومنين"[8]، والرسول الخاتم عليه صلوات الله وسلامه مبعوث"رحمة للعالمين"[9].
تعاليم القرآن ووصاياه جاءت رحمة بالعباد، وكلف محمد صلى الله عليه وسلم ببث هذه الرحمة، التي لا تتحقق إلا بجلب المصالح لهم، ودفع المفاسد عنهم، لأن في فعل المصالح المشروعة الرحمة والشفاء، وفي فعل المفاسد الممنوعة الشقاء.
والرحمة يقابلها السوء والضراء، قال تعالى:"قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة"[10]. وقال تعالى:" ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي"[11].
الرحمة: ما فيه المصلحة والمنفعة والسراء، وهي كل ما يفرح وينفع ويرجى نواله. ويقابلها المفسدة وهي: ما فيه السوء والضراء، ما يسوء ويضر ويرجى زواله.
ويعبر ابن خلدون عن المصالح بالخير وعن المفاسد بالمضار والشر. وهذا التنوع في التعبير عن المصالح فيه دلالة أخرى على تمكن الرجل من علم المقاصد.
جاء تعبير ابن خلدون عن المصالح بالخير وعن المفاسد بالمضار والشر في معرض تعليله لتحريم صناعة النجوم بأنها تنطوي على الكثير" من المضار في العمران الإنساني بما تبعثه في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقا لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق، فيلهج بذلك من لامعرفة له، ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك، فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها..."[12].
أما الاعتراض الذي قد يعترض به على هذا التعليل المصلحي، والتحليل المقاصدي لحظر صناعة النجوم فيذكره ابن خلدون في هذا النص ويرد عليه بقوله:" ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعيا للبشر، بمقتضى مداركهم وعلومهم، فالخير والشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما، وإنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما، فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه، ودفع أسباب الشر والمضار"[13].
المصادر والمراجع:
· القرآن الكريم
· المقدمة لابن خلدون لتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي.
· مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، الدكتور يوسف أحمد محمد البدوي
· الموافقات في أصول الشريعة، الإمام الشاطبي
· القواعد الصغرى، العز بن عبد السلام
· حجة الله البالغة ، ولي الله الدهاوي
· هكذا في الأصل، ولعل الصواب على التأبيد كما يدل عليه سياق كلام الدكتور.
·
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق