الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

علاقة أصول الفقه بالاستدلال والظاهرة الإنسانية

 

علاقة أصول الفقه بالاستدلال والظاهرة الإنسانية

 






 علاقة أصول الفقه بالاستدلال

 

افتتح ابن القصار مقدمته الأصولية في اول أوابها بالكلام في وجوه النظر، بين فيها أن مذهب مالك وجوب النظر والاستدلال، معللا ذلك بان الإمام مالك "استدل في المسائل باستدلالات، واحتج بقياسات" [1]، وافتتح ابن رشد مختصره الأصولي بقوله: "الحمد لله معلم البيان، وموجب النظر والاستدلال"[2]. ؛ وبين الإمام الباجي في مقدمة كتابه أن ما أورده من الشرح والتأويل والقياس والتنظير إنما هو محض اجتهاد وإعمال نظر، مشيرا إلى فائدة إثباته في كتابه، وهي قصده إلى "تبيين منهج النظر والاستدلال والإرشاد إلى طريق الاختبار والاعتبار..."[3].

 يدرك أصوليو المالكية منذ البداية علاقة علم أصول الفقه بالبيان والاستدلال، مما يدلل على ان أصول الفقه هو في أصله نظرية في الاستدلال.

وإذا كان علم المنطق يلعب دورا أساسيا في عملية الاستدلال، فإن"دور علم الأصول بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر المشتركة[4] التي لا تختص بباب من أبواب التفكير دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب الفقه دون باب"[5].

تجلي لنا التعاريف السابقة لأصول الفقه، الارتباط الوثيق لهذا العلم بعلم الجدل والاستدلال، فالإمام ابن الجوزي يحصر أصول الفقه في طرفين اثنين:

أحدهما: إثبات الادلة على الشرائط الواجبة لها.

الثاني: تحرير وجه الاستدلال[6] بها على وجه الصحة، والاحتياط عن مكامن الزلل..وهو العلم الموسوم بالجدل[7].

ويعتبر بيان "وجه دلالة الأدلة على الأحكام" من الوظائف الأساسية لعلم أصول الفقه، لذلك حسُنَ ذكر هذا القيد في حد أصول الفقه، كما عند أبي الحسين البَصْري المعتزلي، حيث ذكر أن أصول الفقه يفيد فِي عرف الْفُقَهَاء:" النّظر فِي طرق الْفِقْه على طَرِيق الاجمال وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا وَمَا يتبع كَيْفيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا"[8]. وكذلك فعل الغزالي بعد أَنَّ أشار إلى أن أدلة الأحكام الكتاب والسنة والإجماع قال:" فَالْعلم بِطُرُقِ ثُبُوتِ هذه الْأصول الثَّلَاثة وَشروط صحَّتِها وَوُجُوهِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ هو العلم الذي يُعَبَّرُ عنه بِأصول الْفقه"[9]، والتعريف نفسه اعتمده فخر الدين الرازي وسيف الدين الآمدي[10].

ولأن وظيفة الأصولي الأساسية هي بيان وجه دلالة الأدلة على الأحكام، أصل الإمام الباقلاني هذه القاعدة:" لا يكون الدليل حقا وصوابا إلا من حيث وجب كونه دلالة يجب الرجوع إليها"[11].

وأطلق ابن القصار الاستدلال وأراد به وجه الدلالة أو وجه الاستدلال بالدليل، كما في احتجاجه على عدم جواز التوضؤ بالماء الذي تغير لونه او طعمه او رائحته، بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه) [12]، قال: "والاستدلال به من وجهين:

أحدهما: أن النجس في اللغة هو المبعد، فكأنه قال: الماء لا يبعده إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه، فينبغي أن يكون هذا الماء مبعدا لما غيره، وما يتوضأ به لا يكون مبعدا.

والوجه الآخر: هو أنه عليه السلام نبه على أن الشيء الذي يحل في الماء فيغيره له تأثير في منع الوضوء به؛ لاتفاقنا على أن أجزاء الطاهرات إذا غلبت على أجزاء الماء كان كغلبة أجزاء النجاسة لأجزاء الماء فينبغي أن يكون الحكم فيها إذا غير الماء واحدا، والله أعلم[13].

كما أنه يستعمل الدليل ويقصد به وجه الاستدلال، كما في مناقشته لأبي حنيفة وأبي يوسف في  قولهما بجواز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر، حيث استدل لمذهب مالك والشافعي في عدم جواز إزالة النجاسة من الثوب والبدن وغيرهما إلا بما يجوز التوضؤ به من الماء دون سائر المائعات، بقوله تعالى:" وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به"، قال: "ففي هذا دليلان.

أحدهما: أن الله - تعالى - أخرج هذا مخرج الامتنان والفضيلة للماء، فلو كان غير الماء في إزالة النجاسة في حكم الماء لبطلت فائدة الامتنان بالماء.

والثاني: هو أنه لو نص على الماء لينبه على ما عداه من المائعات لوجب أن ينص على أدون المائعات في الإزالة؛ ليكون فيه تنبيه على أعلاها مثل الماء، فلما نص على الماء ثم بين سائر المائعات، وخصه بالذكر - وهو أعلاها - علم أنه خصه بالذكر لتخصيصه بالحكم"[14].

 وكذلك فعل القاضي عبد الوهاب المالكي في كتابه "الإشراف"، حيث أطلق الدليل وأراد به وجه الاستدلال، ذلك أنه يورد النص القرآني أو الحديثي، ويبين وجه الدليل منه بقوله: وفيه دليلان، أو وفيه أدلة، وهو يقصد موضع التعلق بالدليل ووجه الدلالة فيه، ويمكن التمثيل لهذا باستدلاله في الاستجمار بحديث:"بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع"؛ حيث قال: ففيه دليلان:

أحدهما: أن الرجيع ليس من الأحجار، فدل استثناؤه إياه منها على انه أراد(ها) أو ما يقوم مقامها.

والثاني: مفهومه ان غير الأحجار يقوم مقامها، وإلا لم يكن لتخصيص الرجيع معنى، ولأنه طاهر منق غير مطعوم ولا ذي حرمة كالأحجار[15].

ويعبر عن وجه الاستدلال أحيانا ب: موضع الدليل[16].

كما في قوله عليه السلام لأبي ذر (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج) ،  قال : ففيهدليلان: أحدهما: العموم، والآخر أنه خرج على سبب، وهو أن أبا ذر كان انتقل إلى الربذة بأهله. ولأنه محدث عادم الماء لزمه فرض الصلاة فلزمه التيمم كالمريض والمسافر[18].

إن العلم بالاحكام الشرعية الفرعية لا يتم تحصيله إلا بامتلاك ملكة الاستدلال عليها، وهذه الملكة الاستدلالية إنما تنتج من خلال التمرس بعلم أصول الفقه وضبط مناهج الاستنباط وطرائق الاستدلال المعتمدة داخل المنهج الأصولي، إذ هو العلم الذي يحدد شروط الاستنباط ويضع مختلف الآليات الاستدلالية التي تمكن الفقيه من امتلاك آلة الاجتهاد، فلا يمكن الحديث عن أصول الفقه في غياب القدرة على الاستدلال والتوليد، إذ إن الفقه : "اشتغال عقلي استدلالي يتراوح بين"دوال الخطاب الشرعي"(نصوصه) و"مدلولاته"(أحكامه باعتبارها ممثلة لإرادة الشارع)[19]، فالفقيه يتعامل مع الخطاب الشرعي من خلال ممارسة فعل عقلي مزدوج الاتجاه: فعل تأويلي وفعل توليدي"[20].

 


علاقة أصول الفقه بالظاهرة الإنسانية 

 

إن علم أصول الفقه علم استدلالي استنباطي، وهو أيضا علم إنساني سلوكي تكليفي تكييفي أي انه يسعى إلى بيان أحكام التكليف وتكييفها بحسب هذا المكلف أو ذاك، وهو بذلك يتوخى مراعاة مصالح الفرد والجماعة.

وربما يكون البدء بمبحث التكليف[21] عند بعض أصوليي المالكية كالباقلاني...إشارة إلى التعالق العضوي لهذا العلم الشرعي المنهجي بالإنسان المكلف، إذ الشريعة نزلت بالتكاليف الشرعية لتخاطب هذا الإنسان المكلف، والتكليف هو أساس استخلاف هذا الإنسان ليقوم باعتمار الأرض[22]، والسعي في إصلاحها بجلب المصالح ودفع المضار التي تكر على التكليف بالإبطال، وتعود على العمران[23] بالإخلال والفوضى والإخراب.

لقد خصص ابن العربي المسألة الأولى من محصوله ل"تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق"، بين في السَّابِقَة الأولى من هذه المسألة "فِي وَجه بَيَان الْحَاجة إِلَى الْعبارَة الَّتِي بهَا يَقع الْبَيَان"، أن الإنسان مدني بطبعه[24].[25] حيث يقول:" لما كَانَ الْإِنْسَان مدنيا بالجبلة مفتقراً إِلَى الصُّحْبَة بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ خلق خلقا لَا يستقل بمعاشه وَلَا يستبد بمنافعه، بل هُوَ مفتقر فِي ذَلِك إِلَى غَيره وَكَانَ ذَلِك الْغَيْر إِمَّا مجتمعا مَعَه وَإِمَّا مبايناً عنه. والمنفعة التي يفتقر إليها إما حاضرة وَإِما غَائِبَة، وَكانت الإشارة موضوعة لاختلاف المنفعة وسد الْخلَّة في الحاضر وَوضعت العبارة لتقوم مقام ذلك في الغائب فهذه حكمة الله تعالى في وضع العبارات الدالة على المعاني"[26].

وقد تنبه بعض الباحثين المعاصرين إلى هذه المسألة عندما أشار إلى أن"دراسة أصول الفقه وتحليل جوانبه المختلفة والعناصر الساسية التي يتألف منها مفيدة جدا لمنهج دراسة الظواهر الاجتماعية"[27].

كما بين العلامة ابن خدون[28] علاقة علم العمران البشري بعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة في مقدمته، فذكر مسائل ومواضيع مشتركة بين علم الاجتماع وبعض علوم الشريعة، وهذه المسائل- من وجهة نظره-  تأتي بالأصالة في علم الاجتماع والعمران، وتجري بالتبع في هذين العلمين وعلوم أخرى ، جاء في المقدمة:"وهذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه نجد منه مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم وهي من جنس مسائله بالموضوع والطلب، مثل ما يذكره الحكماء والعلماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون إلى الحاكم والوازع، ومثل ما يذكر في أصول الفقه في باب إثبات اللغات أن الناس محتاجون إلى العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون والاجتماع، وتبيان العبارات أخف[30]، ومثل ما يذكره الفقهاء في تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد في أن الزنا مخلط للأنساب مفسد للنوع...وغير ذلك من سائر المقاصد الشرعية في الأحكام فإنها كلها مبنية على المحافظة على العمران"[31].

يتقاطع علم الاجتماع مع أصول الفقه وعلم المقاصد الشرعية القائم على التعليل، هذا التقاطع يهم المواضيع والمسائل المؤسسة على المقاصد، كما يهم أيضا المعايير والقواعد والأصول التي ينبغي أن تبنى عليها العلوم الشرعية وعلم الاجتماع، وهي معايير موحدة. هذه العلوم تشكل المقاصد الشرعية والثوابت الدينية والقيم الإسلامية فيها الأساس الذي ترتكز عليه، والنبراس الذي تستنير به، كقيم العدل والحق والمساواة الحفاظ على النوع البشري وإقامة الكليات التي يتوقف عليها قيام العمران، يقول الدكتور محمد أمزيان:"إن المعايير التي يجب أن يتقيد بها كل عمل إصلاحي أو تغييري هي بالضرورة معايير شرعية تفنرض أن العدل والحق قيمتان موضوعيتان وليستا ذاتيتين، وهذه المعايير التي يستند إليها علماء الأصول هي المعايير نفسها التي ينبغي أن يخضع لها علماء الاجتماع في سعيهم نحو إحداث كل تغيير اجتماعي للعودة بالمجتمع الإسلامي نحو اكتشاف النموذج الإلهي الأصل"[32].

هناك ارتباط وثيق بين المشتغلين في حقول علم الاجتماع وعلم الأصول وعلم الفقه من حيث إن هذه العلوم الثلاثة تجعل الإنسان في مركز اهتمامها، وتبحث في فعله الاجتماعي وما يرتبط به من أعراف وتقاليد، إلا أن الأصولي" يهتم بهذه الأمور من حيث التعرف على وجوه المصلحة التي تكون مناطا للحكم الشرعي ومدى اتفاق هذه المصلحة مع النصوص الشرعية أو مخالفتها، والتعرف على درجاتها وأقسامها بحيث إذا تحقق وجود مصلحة معتبرة شرعا في أعراف الناس وعوائدهم كانت مناطا للحكم وأخذت بعين الاعتبار في التشريع، وإن كانت مصلحة متوهمة[33] لم يكن لها أدنى اعتبار.

   وينظر الفقيه إلى الفعل الإنساني في حد ذاته باعتبار أن كل فعل يصدر عن الإنسان هو فعل اجتماعي يعبر عن سلوك معين، وكل سلوك اجتماعي لا بد للإسلام فيه من حكم إما بالإباحة أو الحرمة أو الندب أو الكراهة، فالفقيه يهتم بتقييم العمل في ذاته من وجهة نظر الشرع، فعمل الفقيه "عمل امبريقي ميداني ومعياري في نفس الوقت"[34].

   يتفق عالم الفقه مع عالم الاجتماع في ارتباط عمل كل منهما بالواقع الاجتماعي والممارسة الميدانية، وفي اتصاف عملهما بالمعيارية وإصدار الأحكام التقويمية القيمية، مع وجود فارق بينهما يتمثل في الأهداف والمقاصد التي يتحراها كل منها؛ "فإذا كان الفقيه يهدف من وراء عمله الميداني إلى إصدار حكم شرعي فإن السوسيولوجي يهدف إلى التعرف على تلك المواصفات قصد المقارنة الدقيقة بين ما هو عليه واقع الناس وبين النموذج المجتمعي المثالي الذي ينبغي أن يكون عليه المجتمع الإسلامي وفق النمط الذي يفرضه الوحي..فالفقيه والسوسيولوجي ينظران إلى الواقع الاجتماعي نظرة تقييمية معيارية، الأول يقصد بذلك الفتوى بينما يقصد الثاني اكتشاف الخلل والعمل على إصلاحه"[35].

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع المعتمدة:

[1] - مقدمة ابن القصار، ص137.

[2] - الضروري في أصول الفقه، ص34.

[3]- المنتقى شرح الموطأ، 1/3.

[4] - "ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الأصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة". دروس في علم الأصول، ص38.

[5] - دروس في علم الأصول، ص145.

[6] -ويعبر عن "وجه الاستدلال تعببرات أخرى مثل: تقريب الاستدلال، موضع الاستدلال. قواعد أصول الفقه على مذهب الإمامية، ص421، وص422.  خرى

[7] - الإيضاح في قوانين الاصطلاح، محيي الدين ابن الجوزي،ص101.

[8]- المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البَصْري المعتزلي1/5.

[9]- المستصفى للغزالي1/6.

[10]- جاء في المحصول:"أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها". فخر الدين الرازي (المتوفى: 606هـ)، 1/88.، وجاء في إحكام الآمدي:" فأصول الفقه هي أدلة الفقه وجهات دلالاتها على الأحكام الشرعية، وكيفية حال المستدل بها من جهة الجملة لا من جهة التفصيل، بخلاف الخاصة المستعملة في آحاد المسائل الخاصة ". الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين الآمدي (المتوفى: 631هـ).1/7

[11] - التقريب والإرشاد الصغير،2/213.

[12] - قوله - صلى الله عليه وسلم - خلق الماء طهوراً لا ينجسه إلاَّ ما غير طعمه أو ريحه كذا في النسخ وفي بعضها خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شي إلاّ ما غير لونه أو طعمه أو ريحه قال العراقي أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف وقد رواه بدون الاستثناء أبو دواد والترمذي والنسائي من حديث أبي سعيد وصححه أحمد وغيره. تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، 1/286.

[13] - عيون الأدلة، 2/777.

[14]- عيون الأدلة، 2/825.

[15] - الإشراف،1/89-90

[16] -عيون الأدلة، 3/1281. الإشراف،1/87

[17] -سورة المائدة، الآية:6.

[18] - الإشراف، 1/167.

[19] - المناهج الأصولية، ص27.

[20] - القول الأصولي المالكي ومناهج الحجاج، ص13.

[21] - يبدأ متقدمو الأحناف-كالسرخسي والشاشي- مصنفاتهم الأصولية بمباحث الأمر والنهي، يقول السرخسي مبررا أولوية الابتداء بالأمر والنهي:"فأحق مَا يبْدَأ بِهِ فِي الْبَيَان الْأَمر والنهى لِأَن مُعظم الِابْتِلَاء بهما وبمعرفتهما تتمّ معرفَة الْأَحْكَام ويتميز الْحَلَال من الْحَرَام".أصول السرخسي، 1/11.

[22] - استخدم ابن خلدون هذا التعبير عند حديثه عن المقصد من تنوع واختلاف أجيال أمم العالم، وذلك:"...ليتم أمر الله في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق وحاجات المعاش بحسب خصوصياتهم ونحلهم فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية إن في ذلك لآيات للعالمين" تاريخ ابن خلدون، ج2 ،الكتاب الثاني، المقدمة الأولى في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم.

[23] - يرى ابن خلدون " في العمران وضعا إلهيا: الله هو الذي عمر الأرض بالإنسان بعد أن جعل منه خليفته، كما أن الله هو الذي فرق الآدميين، وميز بعضهم عن بعض بالمواطن واللغات والعوائد والديانات" المقدمة، تحقيق عبد السلام الشدادي، صXL .

[24] - سبق ابن العربي إلى تقرير هذه الحقيقة الاجتماعية قبل عالم الاجتماع العربي المسلم ابن خلدون، وفي الموافقات إشارة إلى تقريرها أيضا.

[25] - تقوم نظرية العمران البشري على ضرورة الاجتماع الإنساني الذي بدونه لا يتم تعاون ولا تحصل حياة، ولذلك غالبا ما يقرر ابن خلدون ويكرر ان الإنسان مدني بالطبع، وهذه العبارة هي المقدمة الأولى التي افتتح بها الكتاب الأول من المقدمة، وعنونه بقوله:" في العمران البشري على الجملة وفيه مقدمات"، يقول في المقدمة الأولى:"في أن الاجتماع البشري ضروري. ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم:"الإنسان مدني بالطبع"؛ أي لابد له من الاجتماع الذي هو المدنية على اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله. إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة على تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه..." المقدمة، 1/340.

[26]- المحصول لابن العربي، 1/28.

[27]- أصول الفه الإسلامي منهج بحث ومعرفة، الدكتور طه جابر العلواني، ص8.

[28]- هوعبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي الإشبيلي الأصل، التونسي المولد، أبو زيد ولي الدين المالكي، من المائة التاسعة.

ولد في أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة". رفع الإصر عن قضاة مصر، الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، ص343.

وذكر صاحب المنهل الصافي أن ولادته كانت يوم الأربعاء بمدينة تونس ببلاد المغرب.

   نشأ بتونس، وطلب العلم، وقرأ، وحفظ القرن العزيز وقرأه على الأستاذ أبي عبد الله محمد بن سعد بن تراك الأنصاري بالقراءات السبع إفرادا وجمعا في إحدى وعشرين ختمة، ثم جمعها في ختمة واحدة، ثم قرأ ختمة برواية يعقوب جمعا بين الروايتين عنه، وعرض عليه قصيدتي الشاطبي اللامية والرائية"، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، ابن تغرى بردى، ص206.

 وقد ذكر ذلك ابن خلدون في التعريف فقال:" حفظت قصيدتي الشاطبي الكبرى والصغرى في القراءات، وتدارست كتابي ابن الحاجب في الفقه والأصول". التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، ابن خلدون، ص59.

   وكان أبوه معلمه الأول، وكانت تونس حينئذ مركز العلماء والأدباء في بلاد المغرب، ومنزل رهط من علماء الأندلس...فكان من هؤلاء وأولئك أساتذة ابن خلدون ومعلموه مع والده ومن بعده، قرأ عليهم القرآن وجوده بالقراءات السبع وبقراءة يعقوب، ودرس عليهم العلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه على المذهب المالكي". المقدمة بتحقيق بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي، 1/38.

[30]- يشير إلى مسألة الوضع في اللغات التي تطرق إليها الأصوليون. من ذلك ما قاله جمال الدين الأسنوي بـ"أن الله تعالى خلق الإنسان غير مستقل بمصالح معاشه محتاجا إلى مشاركة غيره من أبناء جنسه لاحتياجه إلى غذاء ومسكن وسلاح والواحد لا يتمكن من تعلم هذه الأشياء فضلا عن استعمالها؛ لأن كلا منها موقوف على صنائع  شتى، فلا بد من جمع عظيم ليتعاون بعضهم ببعض وذلك لا يتم إلا بأن يعرفه ما في نفسه فاحتيج إلى وضع شيء يحصل به التعريف" نهاية السول 1/78. ينظر الإبهاج في شرح المنهاج 1/148-149.

[31] - المقدمة، 1/334. نبه الدكتور عمر عبيد حسنة إلى الأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي لمقاصد الشريعة والذي ينبغي أن يشكل المحور الذي تدور عليه الأحكام الفقهية مراجعات في الفكر والدعوة، ص82

[32]- منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، محمد أمزيان، ص245.

[33]- يقول السرخسي: "والمنفعة الموهومة لا تكون جائزة للضرر المتحقق"، المبسوط، 5/122.

[34]- منهج البحث الاجتماعي ..، ص243.

[35]- نفسه، ص243-244.  

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة مقاصد
تصميم : معاد برادة